فصل: الشاهد السادس والتسعون بعد الخمسمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)



.غزو طرابلس وفتح صفد.

كانت طرابلس للإفرنج وبها سمند بن البرنس الأشتر وله معها انطاكية وبلغ السلطان أنه قد تجهز للقتال فلقيه النائب بها علم الدين سنجر الباشقر وانهزم المسلمون واستشهد كثير منهم فتجهز السلطان للغزو وسار من مصر في شعبان سنة أربع وستين وترك ابنه السعيد عليا بالقلعة في كفالة عز الدين ايدمر الحلي وقد كان عهد لابنه السعيد بالملك سنة اثنتين وستين ولما انتهى إلى غزة بعث العساكر صحبة سيف الدين قلاون ايدغدي العزيزي فنازل القليعات وحلب وعرقا من حصون طرابلس فاستأمنوا إليه وزحفت العساكر وسار السلطان إلى صفد فحاصرها عشرا ثم اقتحمها عليهم في عشرين من رمضان السنة وجمع الإفرنج الذين بها فاستلحمهم أجمعين وأنزل بها الحامية وفرض أرزاقهم في ديوان العطاء ورجع إلى دمشق والله تعالى أعلم.

.مسير العساكر لغزو الأرمن.

هؤلاء الأرمن من ولد أخي إبراهيم عليه السلام من بني قوميل بن ناحور وناحور بن تارح وعبر عنه في النزيل بآزر وناحور أخو إبراهيم عليه السلام ويقال أن الكرج اخوة الأرمن وأرمينية منسوبة إليهم وآخر مواطنهم الدروب المجاورة لحلب وقاعدتها سيس ويلقب ملكهم التكفور وكان ملكهم صاحب هذه الدروب لعهد الملك الكامل وصلاح الدين من بعده اسمه قليج بن اليون واستنجد به العادل وأقطع له وكان يعسكر معه وصالحه صلاح الدين على بلاده ثم كان ملكهم لعهد هلاكو والتتر هيثوم بن قسطنطين ولعله من أعقاب قليج أو قرابته ولما ملك هلاكو العراق والشام دخل هيثوم في طاعته فأقره على سلطانه ثم أمره بالاغارة على بلاد الشام وأمده صاحب بلاد الروم من التتر وسار سنة اثنتين وستين ومعه بنو كلاب من أعراب حلب وانتهوا إلى سيس وجهز الظاهر عساكر حماة وحمص فساروا إليهم وهزموهم ورجعوا إلى بلادهم فلما رجع السلطان من غزاة طرابلس سنة أربع وستين سرح العساكر لغزو سيس وبلاد الأرمن وعليهم سيف الدين قلاون والمنصور صاحب حماة فساروا لذلك وكان هيثوم ملكهم قد ترهب ونصب للملك ابنه كيقومن فجمع كيقومن الأرمن وسار للقائهم ومعه أخوه وعمه وأوقع بهم المسلمون قتلا وأسرا وقتل أخوه وعمه في جماعة من الأرمن واكتسحت عساكر المسلمين بلادهم واقتحموا مدينة سيس وخربوها ورجعوا وقد امتلأت أيديهم بالغنائم والسبي وتلقاهم الظاهر من دمشق عند قارا فلما رآهم ازداد سرورا بما حصل لهم وشكا إليه هنالك الرعية ما لحقهم من عدوان الأحياء الرحالة وانهم ينهبون موجودهم ويبيعون ما يتخطفونه منهم من الإفرنج بعكا فأمر باستباحهم وأصبحوا نهبا في أيدي العساكر بين القتل والأسر والسبي ثم سار إلى مصر وأطلق كيقومن من ملك الأرمن وصالحه على بلده ولم يزل مقيما إلى أن بعث أبوه في فدائه وبذل فيه الأموال والقلاع فأبى الظاهر من ذلك وشرط عليه خلاص الأمراء الذين أخذهم هلاكو من سجن حلب وهم سنقر الأشقر وأصحابه فبعث فيهم تكفر إلى هلاكو فبعث بهم إليه وبعث الظاهر بابنه منتصف شوال وتسلم القلاع التي بذلت في فدائه وكانت من أعظم القلاع وأحصنها منها مرزبان ورعبان وقدم سنقر الأشقر على الظاهر بدمشق وأصبح معه في الموكب ولم يكن أحد علم بأمره وأعظم إليه السلطان النعمة ورفع الرتبة ورعى له السابقة والصحبة وتوفي هيثوم سنة ستين بعدها والله تعالى ينصر من يشاء من عباده.

.مسير الظاهر لغزو حصون الإفرنج بالشام وفتح يافا والشقيف ثم إنطاكية.

كان الظاهر عندما رجع من غزاة طرابلس إلى مصر أمر بتجديد الجامع الأزهر وإقامة الخطبة به وكان معطلا منها منذ مائة سنة وهو أول مسجد أسسه الشيعة بالقاهرة حين اختطوها ثم خرج إلى دمشق لخبر بلغه عن التتر ولم يثبت فسار من هنالك إلى صفد وكان أمر عند مسيره بعمارتها وبلغه اغارة أهل الشقيف على الثغور فقصدها وشن الغارة على عكا واكتسح بسائطها حتى سأل الإفرنج منه الصلح على ما يرضيه فشرط المقاسمة في صيدا وهدم الشقيف واطلاق تجار من المسلمين كانوا أسروهم ودية بعض القتلى الذي أصابوا دمه وعقد الصلح لعشر سنين ولم يوفوا بما شرط فنهض لغزوهم ونزل فلسطين في جمادى سنة ست وستين وسرح العساكر لحصار الشقيف ثم بلغه مهلك صاحب يافا من الإفرنج وملك ابنه مكانه وجاءت رسله إليه في طلب الموادعة فحبسهم وصبح البلد فاقتحهما ولجأ أهلها إلى القلعة فاستنزلهم بالأمان وهدمها وكان أول من اختط مدينة يافا هذه صنكل من ملوك الإفرنج عند ما ملكوا سواحل الشام سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة ثم مدنها وأتم عمارتها ريدا فرنس المأسور على دمياط عندما خلص من محبسه بدار بن لقمان ثم رجع إلى حصن الشقيف فحاصرها وافتتحه بالأمان وبث العساكر في نواحي طرابلس فاكتسحوها وخربوا عمرانها وكنائسها وبادر صاحب طرطوس بطاعة السلطان وبعث إلى العساكر بالميرة وأطلق الأسرى الذين عنده ثلثمائة أو يزيدون ثم ارتحل السلطان إلى حمص وحماة يريد إنطاكية وقدم سيف الدين قلاون في العساكر فنازل إنطاكية في شعبان فسار المنصور صاحب حماة وجماعة البحرية الذين كانوا بأحياء العرب في القفر وكان صاحب انطاكية سمند بن تيمند وكانت قاعدة ملك الروم قبل الإسلام اختطها انطيخس من ملوك اليونانيين وإليه تنسب ثم صارت للروم وملكها المسلمون عند الفتح ثم ملكها الإفرنج عندما ساروا إلى ساحل الشام أعوام التسعين والأربعمائة ثم استطردها صلاح الدين من البرنس ارناط الذي قتله في واقعة حطين كما مر ثم ارتجعها الإفرنج بعد ذلك على يد البرنس الأشتر وأظنه صنكل ثم صارت لابنه تيمند ثم لابنه سمند وكان عندما حاصرها الظاهر بطرابلس وكان بها كنداصطبل عم يغمور ملك الأرمن أفلت من الواقعة عليه بالذرابند واستقر بانطاكية عند سمند فخرج في جموعه لقتال الظاهر فانهزم أصحابه وأسر كنداصطبل على أن يحمل أهل انطاكية على الطاعة فلم يوافقوه ثم جهدهم الحصار واقتحمها المسلمون عنوة وأثخنوا فيهم ونجا فلهم إلى القلعة فاستنزلوا على الأمان وكتب الظاهر إلى ملكهم سمند وهو بطرابلس وأطلق كنداصطبل وأقاربه إلى ملكهم هيثوم بسيس ثم جمع الغنائم وقسمها وخرب قلعة انطاكية وأضرمها نارا واستأمن من صاحب بغراس فبعث إليه سنقر الفارقي استاذ داره فملكها وأرسل صاحب عكا إلى الظاهر في الصلح وهو ابن أخت صاحب قبرس فعقد له السلطان الصلح لعشر سنين ثم عاد إلى مصر فدخلها ثالث أيام التشريق من السنة والله تعالى أعلم.